أبو البقاء الرندي شاعر أندلسي من أشهر شعراء العصر الأندلسي، ولد في مدينة مرسية عام 655 هـ/1257 م، وتوفي في مدينة مراكش عام 721 هـ/1321 م، نشأ الرندي في أسرة عريقة من علماء الدين، فتلقى تعليماً دينياً وأدبياً رفيعاً، ودرس علوم العربية والفقه والحديث والشعر.
بدأ الرندي حياته الشعرية مبكراً، ونظم في مختلف الأغراض الشعرية، كالمدح والهجاء والرثاء والغزل والوصف والحكمة. اشتهر الرندي بقصائد الرثاء، وخاصةً قصيدته الشهيرة “يا حمام الأندلس”، والتي نظمها في عام 713 هـ/1313 م، بعد سقوط مدينة غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس.
تعبر قصيدة “يا حمام الأندلس” عن حزن الرندي الشديد على سقوط الأندلس، وتصور حالة اليأس والإحباط التي سادت المسلمين بعد هذه الكارثة. تتكون القصيدة من 120 بيتاً، وهي من أروع القصائد التي نظمت في رثاء الأندلس، وقد ترجمت إلى العديد من اللغات.
يقول الرندي في مطلع القصيدة:
يا حمام الأندلس، لما غدوتَ ذا هَمٍّ
وكنتَ ذا غناءٍ وذا رَقصٍ ومُرَقَّصِ
ويقول في أبيات أخرى:
أين الأندلس؟ وأين ملوكها؟
وأين أُمراءُ قرطبةِ وغرناطَةِ؟
وأين من كان في الأندلسِ مُقيماً؟
وأين من كان بها مُلَقَّباً؟
ويقول في خاتمة القصيدة:
أَلا لَيتَ شِعري حينَ أراكَ طالعاً
أَنَّكَ تُحَدِّثني بِخَبَرِ مُغَرَّبِ
أَنَّكَ تَقُولُ: أَنْشَدْتَ في الأَندَلُسِ
ثمَّ أَتَيْتَني مِنْ بَعْدِ مَا تَحَرَّمَتِ
يعد أبو البقاء الرندي من أبرز شعراء العصر الأندلسي، وقد ترك بصمةً واضحةً في الأدب العربي، وتعد قصيدته “يا حمام الأندلس” من أروع القصائد التي نظمت في رثاء الأندلس.
بعض الجوانب البارزة في شعر أبو البقاء الرندي
التمكن من اللغة العربية واستخدامها بأسلوب رفيع.
القدرة على التعبير عن المشاعر والأحاسيس بصدق وقوة.
امتلاك خيال خصب وقدرة على التخيل والتصوير.
الاهتمام بالوزن والقافية والموسيقى الشعرية.
التأثيرات التي تركها أبو البقاء الرندي
قصيدة يا حمام الأندلس
للأبي البقاء الرندي
مطلع القصيدة
يا حمام الأندلس لما غدوتَ ذا هَمٍّ
وكنتَ ذا غناءٍ وذا رَقصٍ ومُرَقَّصِ
أين الأندلس؟ وأين ملوكها؟
أين الأندلس؟ وأين ملوكها؟
وأين أُمراءُ قرطبةِ وغرناطَةِ؟
وأين من كان في الأندلسِ مُقيماً؟
وأين من كان بها مُلَقَّباً؟
أين القصور والحمامات والأسواق؟
أين القصورُ والحماماتُ والأسواقُ؟
وأين البُستاناتُ والمَجالسُ والطُرُقُ؟
وأين الظِلالُ والأشجارُ والماءُ؟
وأين الظُرُفُ والأواني والسُكُرُ؟
أين الفرح والسعادة والأمل؟
أين الفرحُ والسعادةُ والأملُ؟
أينَ التُرَهُّبُ والخشوعُ والذلُ؟
أينَ المُصَلِّي وإمامُ المُصَلِّي؟
وأينَ المُؤَذِّنُ وصوتُ المُؤَذِّنِ؟
أين المسلمون من الأندلس؟
أينَ المسلمونَ مِنْ أَرْضِ الأَندَلُسِ؟
أينَ شُجَاعُونَ وَحَمَلَةُ المَجَدِ؟
أينَ مَنْ يَرْمُونَ بِالنَّبْلِ في اللَّيْلِ؟
وأينَ مَنْ يَسْقُونَ السُيُوفَ في الفَجْرِ؟
خاتمة القصيدة
أَلا لَيتَ شِعري حينَ أراكَ طالعاً
أَنَّكَ تُحَدِّثني بِخَبَرِ مُغَرَّبِ
تَقُولُ: أَنْشَدْتَ في الأَندَلُسِ
ثمَّ أَتَيْتَني مِنْ بَعْدِ ما تَحَرَّمَتِ
فَقُلْتُ: يا حمامُ الأَندَلُسِ
أَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ بَعْدَكَ مِنَ الأَندَلُسِ؟
قصيدة لكل شيء إذا ما تم نقصان
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ
فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ
مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ
وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ
يُمَزِّقُ الدَهرُ حَتماً كُلَّ سابِغَةٍ
إِذا نَبَت مَشرَفِيّات وَخرصانُ
وَيَنتَضي كُلَّ سَيفٍ للفَناء وَلَو
كانَ ابنَ ذي يَزَن وَالغِمد غمدانُ
أَينَ المُلوكُ ذَوي التيجانِ مِن يَمَنٍ
وَأَينَ مِنهُم أَكالِيلٌ وَتيجَانُ
وَأَينَ ما شادَهُ شَدّادُ في إِرَمٍ
وَأينَ ما ساسَه في الفُرسِ ساسانُ
وَأَينَ ما حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ
وَأَينَ عادٌ وَشدّادٌ وَقَحطانُ
أَتى عَلى الكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ
حَتّى قَضوا فَكَأنّ القَوم ما كانُوا
وَصارَ ما كانَ مِن مُلكٍ وَمِن مَلكٍ
كَما حَكى عَن خَيالِ الطَيفِ وَسنانُ
دارَ الزَمانُ عَلى دارا وَقاتِلِهِ
وَأَمَّ كِسرى فَما آواهُ إِيوانُ
كَأَنَّما الصَعبُ لَم يَسهُل لَهُ سببٌ
يَوماً وَلا مَلَكَ الدُنيا سُلَيمانُ
فَجائِعُ الدُهرِ أَنواعٌ مُنَوَّعَةٌ
وَلِلزَمانِ مَسرّاتٌ وَأَحزانُ
وَلِلحَوادِثِ سلوانٌ يُهوّنُها
وَما لِما حَلَّ بِالإِسلامِ سلوانُ
دهى الجَزيرَة أَمرٌ لا عَزاءَ لَهُ
هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَاِنهَدَّ ثَهلانُ
أَصابَها العينُ في الإِسلامِ فاِرتزَأت
حَتّى خَلَت مِنهُ أَقطارٌ وَبُلدانُ
فاِسأل بَلَنسِيةً ما شَأنُ مرسِيَةٍ
وَأَينَ شاطِبة أَم أَينَ جيّانُ
وَأَين قُرطُبة دارُ العُلُومِ فَكَم
مِن عالِمٍ قَد سَما فِيها لَهُ شانُ
وَأَينَ حمص وَما تَحويِهِ مِن نُزَهٍ
وَنَهرُها العَذبُ فَيّاضٌ وَمَلآنُ
قَوَاعد كُنَّ أَركانَ البِلادِ فَما
عَسى البَقاءُ إِذا لَم تَبقَ أَركانُ
تَبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ
كَما بَكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ
عَلى دِيارٍ منَ الإِسلامِ خالِيَةٍ
قَد أَقفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ
حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما
فيهِنَّ إِلّا نَواقِيسٌ وصلبانُ
حَتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ
حَتّى المَنابِرُ تَبكي وَهيَ عيدَانُ
يا غافِلاً وَلَهُ في الدهرِ مَوعِظَةٌ
إِن كُنتَ في سنَةٍ فالدهرُ يَقظانُ
وَماشِياً مَرِحاً يُلهِيهِ مَوطِنُهُ
أَبَعدَ حِمص تَغُرُّ المَرءَ أَوطانُ
تِلكَ المُصِيبَةُ أَنسَت ما تَقَدَّمَها
وَما لَها مِن طِوَالِ المَهرِ نِسيانُ
يا أَيُّها المَلكُ البَيضاءُ رايَتُهُ
أَدرِك بِسَيفِكَ أَهلَ الكُفرِ لا كانوا
يا راكِبينَ عِتاق الخَيلِ ضامِرَةً
كَأَنَّها في مَجالِ السَبقِ عقبانُ
وَحامِلينَ سُيُوفَ الهِندِ مُرهَفَةً
كَأَنَّها في ظَلامِ النَقعِ نيرَانُ
وَراتِعينَ وَراءَ البَحرِ في دعةٍ
لَهُم بِأَوطانِهِم عِزٌّ وَسلطانُ
أَعِندكُم نَبَأ مِن أَهلِ أَندَلُسٍ
فَقَد سَرى بِحَدِيثِ القَومِ رُكبَانُ
كَم يَستَغيثُ بِنا المُستَضعَفُونَ وَهُم
قَتلى وَأَسرى فَما يَهتَزَّ إِنسانُ
ماذا التَقاطعُ في الإِسلامِ بَينَكُمُ
وَأَنتُم يا عِبَادَ اللَهِ إِخوَانُ
أَلا نُفوسٌ أَبيّاتٌ لَها هِمَمٌ
أَما عَلى الخَيرِ أَنصارٌ وَأَعوانُ
يا مَن لِذلَّةِ قَوم بَعدَ عِزّتهِم
أَحالَ حالَهُم كفرٌ وَطُغيانُ
بِالأَمسِ كانُوا مُلُوكاً فِي مَنازِلهِم
وَاليَومَ هُم في بِلادِ الكُفرِ عُبدانُ
فَلَو تَراهُم حَيارى لا دَلِيلَ لَهُم
عَلَيهِم من ثيابِ الذُلِّ أَلوانُ
وَلَو رَأَيت بُكاهُم عِندَ بَيعهمُ
لَهالَكَ الأَمرُ وَاِستَهوَتكَ أَحزانُ
يا رُبَّ أمٍّ وَطِفلٍ حيلَ بينهُما
كَما تُفَرَّقُ أَرواحٌ وَأَبدانُ
وَطفلَة مِثلَ حُسنِ الشَمسِ إِذ برزت
كَأَنَّما هيَ ياقُوتٌ وَمُرجانُ
يَقُودُها العِلجُ لِلمَكروهِ مُكرَهَةً
وَالعَينُ باكِيَةٌ وَالقَلبُ حَيرانُ
لِمثلِ هَذا يذوبُ القَلبُ مِن كَمَدٍ
إِن كانَ في القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ
أثر أبو البقاء الرندي في العديد من الشعراء الذين جاؤوا بعده، وقد تأثروا به في أسلوبه وموضوعاته.كما أثرت قصيدة “يا حمام الأندلس” في العديد من الأدباء والكتاب، وقد حظيت باهتمام كبير من النقاد والباحثين. أبو البقاء الرندي شاعر أندلسي كبير، ترك بصمةً واضحةً في الأدب العربي، وقد حفر اسمه في ذاكرة التاريخ كأحد أبرز شعراء العصر الأندلسي.